إعاقتها لم تُثنيها عن علاج من احتاجها.. فكسبت حُب من عرفها

 


 

أرسلت لي تقول: أصابني مرض السكري وانا طفلة لم أتجاوز الخامسة عشرة من عمري، فتعودت على إبرة الانسولين. درست وتفوقت، وحصلت على درجة البكالوريوس في علم النفس، بدون أن يُثني "السكري" من عزيمتي، وعملت في سلك التعليم الى ان حدث لي حادث أثناء عملي نتج عنها إصابة بسيطة في قدمي.

حمدت وصبرت، ولم أيأس ولم أستسلم مثل كثيرين إنتصروا على مرضهم وكتموا آلامهم وصبروا.

وواصلت عملي بعد إجازة مرضية. وصممت بتشجيع من زوجي لأُكمل تعليمي الجامعي، فالتحقت بالماجستير بنفس التخصُّص، ولكن تطوُّرات حصلت في قدمي نتيجة الحادث لم أستطع بسببها إكمال تعليمي الجامعي فانقطعت عن تكملة مشواري العلمي وتوقَّف طموحي نحو نيّل درجة الدكتوراة..

 

ولم أيأس برغم مُضاعفات المرض على قدمي.. حيث أقعدني.. كون بدأ المرض يعمل على تذويب العظم في القدم.. وعجز حينها الأطباء عن ما هية هذا المرض.. فقد كانوا يتحزَّرون (ما هوً)؟

 

نهضت من ثانية.. لا أريد أن يغلبني المرض مهما كان.. ولا أُريد أن أنقطع عن خدمة الناس ومن يحتاجني في العلاج النفسي. ودخلت المجال الإنساني كونه المجال القريب من قلبي وعملي ودراستي، فأبدعت فيه. وساهمت في إعادة كيان أسر كثيرة كانت على حافة الإنهيار إلى حياتها الطبيعية.. بل أفضل مما كانت عليه من قبل، وذلك بحمد الله وتوفيقه.

 

عملت في مجال الطفولة لسنوات، ثم في تقديم خدماتي الإنسانية لفئات الشباب وبالذات "ذوي الاحتياجات الخاصة". فكسبت حب جميع من إلتمس طريقي لخدمتهم. حتى أنني ذهبت لعلاج بعض الحالات في المحافظات وبسيارتي الخاصة المُجهَّزة لذوي الإعاقة. وكل هذا لوجه الله تعالى ولم أتقاضى عليه أي أجر.

 

وتضيف صاحبتنا: أصبحت أستخدم كرسي متحرك ليخدمني في تنقلاتي، وحتى عملي المنزلي (في المطبخ)، ليُصبح هذا الكرسي بمثابة قدماي التي أمشي عليهما.. والحمدلله.. ولأقوم بواسطته في تكملة رسالتي الإنسانية في خدمة أبناء الوطن.

 

تقول لي: "أنا كنت بحاجة لكرسي متحرك (كهربائي)، لأنه لم يعد باستطاعتي أن اتنقل بهذا الكرسي بسبب تعرض يديّ (للخدران) المستمر نتيجة "دفعي" لهذا الكرسي عند تنقلي من مكان لآخر، لكي أكمل مسيرتي التي لن أتركها حتى وصولي لحافة قبري".

 

هذه إنسانة تطوعت لخدمة أبناء الوطن وهي على كرسيِّها المتحرك، ولم "تملَّ" أو "تكلّ" برغم ما أصابها، لأن هناك الكثير ممن هم بحاجة لخدماتها.

 

هذه الإنسانة إفتقدناها منذ أريع سنوات.. فقد رحلت إلى جوار ربها بعد حياة جعلتها قريبة جداً من الله، سواء في عملها الإنساني طيلة عشرون عاماً، أو في صلاتها ودروب الخير التي كانت تحمل لها السعادة كلما مشَت فيها. رحمها الله.

 

إنسانة كانت تخدم بعلمها وعملها كل من إحتاجها، برغم مرضها وإعاقتها.. وهناك من بيده علم أكثر منها وفي وظيفة أعلى مما كانت فيها.. لكنه بعيد جداً عن خدمة الناس أو السعي في زرع الفرحة في دروب من يحتاجوا لخدماته.