علاج مُبتكر لمرضى السكري يُغنيهم عن الإبرة اليومية


 

يوجد حوالي 422 مليون شخص مصاب بمرض السكري على مستوى العالم، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، ويقدر بعض الباحثين أن الرقم سيصل إلى 700 مليون بحلول عام 2045.

ويعتمد معظم مرضى السكري على الأنسولين للتحكم في مستويات السكر في دمائهم، ورغم نجاح هذا العلاج في الحفاظ على مستويات الجلوكوز ضمن النسب المسموحة، ويجب على الأشخاص المصابين بالسكري من النوع الأول وبعض الأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الثاني أخذ حقن الأنسولين يومياً للبقاء على قيد الحياة، أما البديل فهو زرع البنكرياس بالكامل أو زرع جزر لخلايا البنكرياس، وهو أمر غاية في الصعوبة بسبب نقص المتبرعين بالأعضاء والآثار الجانبية المصاحبة لمثبطات المناعة.

ورغم كون استعمال الأنسولين الطريقة الأفضل والأكثر موثوقيةً لعلاج مرضى السكري، فقد أصبح اليوم بإمكان بعض مرضى السكري الإستغناء عن العلاج اليومي بإبرة الأنسولين، وذلك بعد إجرائهم لعملية زرع الخلايا الجزيرية التي يقوم البنكرياس بإنتاجها. فبمجرد وخزة إبرة يتم زرع غرسة تجريبية تُعرف إختصاراً باسم NICHE ، وهي توجيه الخلايا العصبية المزروعة وتغليفها. إلا أنه يتعين على هؤلاء الأشخاص تناول الأدوية المثبطة للمناعة من أجل منع رفض الجسم للخلايا المزروعة.

فالأنسولين دواء لمرض مزمن، أي أن المريض يحتاج باستمرار إلى الحقن بذلك الهرمون، ومن دونه ترتفع مستويات سكر الدم، كما يمكن أن تؤدي جرعاته المفرطة إلى هبوط حاد في سكر الدم، كما يُسبب أيضاً تسارع ضربات القلب، والخدر، والشعور بالنعاس، وزيادة الوزن، والصداع، وغيرها من الأعراض الجانبية التي تجعل العلماء يبذلون العديد من الجهود لتطوير علاجات تشفي مريض السكري من ذلك المرض.

لذا فالجديد اليوم، هو أن هناك إمكانية لزراعة غرسة مبتكرة تحت الجلد يمكن أن تدير الأدوية لمرضى السكري يما يمنحهم أيضًا ميزة استهلاك كميات أقل بكثير من العلاجات عما هو مطلوب لكل مريض، بحسب موقع New Atlas نقلًا عن دورية Nature Communications.

 

 

الخلايا الجزيرية

يحدث تدمير للخلايا الجزيرية في داء السكري من النوع الأول عن طريق تفاعل المناعة الذاتية. لذلك يكون مرضى السكري من النوع الأول غير قادرين على إنتاج الأنسولين المنظم للسكر في الدم. وبالتالي، يتعين على المرضى عادةً إعطاء أنفسهم حقن الأنسولين يوميًا. إنها مهمة مؤلمة ويكون من الصعب في كثير من الأحيان تنفيذها بانتظام ودقة وسط روتين الفرد المزدحم كل يوم.

 

خلايا متبرع متوفى

يتمثل أحد البدائل في حصاد خلايا جزيرة من متبرع متوفى تمهيدًا لزرعها في كبد المريض، حيث تتولى مهمة إنتاج الأنسولين لعدة سنوات مما يلغي الحاجة إلى الحقن اليومية.

لكن لسوء الحظ، فإنه من أجل منع الجهاز المناعي للجسم من التعرف على الخلايا الجزيرية، التي تم زرعها وتعتبر في هذه الحالة أجساما غريبة يجب تحييدها، يجب على المريض تناول الأدوية المثبطة للمناعة بشكل مستمر. نظرًا لأن أدوية تؤخذ عن طريق الفم، وبالتالي يتم توزيعها في جميع أنحاء الجسم، فإن الجرعات الكبيرة نسبيًا مطلوبة - وكلما زادت الجرعة، زادت حدة الآثار الجانبية غير المرغوب فيها، مثل ضعف الجهاز المناعي.

 

تغليف وتوجيه الخلايا

مع وضع هذه المشكلات في الاعتبار، ابتكر فريق علماء في مستشفى هيوستن غرسة تجريبية تُعرف اختصارًا باسم NICHE وترجمتها توجيه الخلايا العصبية المزروعة وتغليفها.

تم تصميم الجهاز المسطح المصنوع من مادة البولي أميد ليتم زرعه تحت الجلد، وهو مشابه في الحجم لعملة النقدية المعدنية. ويحتوي على خزانين - خزان داخلي مستطيل للخلايا الجزيرية، والآخر خارجي على شكل حرف U مليء بالأدوية المثبطة للمناعة.

 

مجرد وخزة إبرة

بعد حوالي أربعة أسابيع من زرع غرسة  NICHE، يكتمل نمو الأوعية الدموية الموفرة للأكسجين في خزانها الداخلي، ويمتلئ هذا الخزان بالخلايا الجزيرية. ويتم الإجراء عن طريق وخز إبرة تحت الجلد عبر جلد المريض ومن خلال سدادة سيليكون ذاتية الغلق في نهاية الخزان (يتم تكرار نفس العملية لإعادة ملء الزرع بالخلايا والأدوية، حسب الحاجة).

داخل الغرسة، تشرع الخلايا في إنتاج الأنسولين، الذي يدخل مجرى الدم عبر الأوعية الدموية التي نمت في الخزان. في غضون ذلك، تمر الأدوية تدريجياً عبر غشاء مسامي بين الخزانين، مما يمنع حدوث تفاعل مناعي. نظرًا لأن هذه الأدوية موجودة بالفعل في مكان الحاجة إليها، فلا يلزم سوى كمية صغيرة منها.

 

دواء مرة واحدة سنويًا

في الاختبارات التي أجريت على الفئران المصابة بداء السكري، أفادت التقارير أن المعهد الوطني الأميركي للصحة أن غرسة NICHE ساعدت على استعادة مستويات السكر الطبيعية في الدم وتم التخلص من أعراض مرض السكري من النوع الأول لأكثر من 150 يومًا، دون إحداث أي آثار جانبية شديدة. تمت إعادة تعبئة الجهاز مرة كل 28 يومًا، على الرغم من أن العلماء يعملون حاليًا على إصدار نسخة يمكن أن تستمر في تقديم العلاج لمدة تصل إلى ستة أشهر بين إعادة التعبئة عند استخدامه مع البشر، إلا أنه من الممكن أيضًا أن تؤدي التغييرات في تركيبات الأدوية إلى إطالة هذه الفترات إلى مرة واحدة فقط في العام.

 

تحسين حياة المرضى

قال الباحث الرئيسي في الدراسة بروفيسور أليساندرو غراتوني إن "إحدى النتائج الرئيسية لأبحاثنا هي أن التثبيط المناعي المحلي لزرع الخلايا فعال. ويمكن أن يغير هذا الجهاز نموذج كيفية إدارة المرضى ويمكن أن يكون له تأثير كبير على فعالية العلاج وتحسين نوعية حياة المرضى".